أخبار وطنية رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية التونسية: تونس في خطر!
بقلم: محمد المنصف بن مراد
سيادة الرئيس
لقد انتخبتك شأن عدد هام من التونسيين منتظرين منك ومن حزبك القطع مع سلبيات الماضي وتعيين رئيس حكومة قادر على مواجهة التحديات، لكن الواقع يفرض علي تقديم رأي حرّ لأنّ تونس في خطر...
أقول في البدء، حذار من قطع علاقاتك السابقة بعد أن صرت تسكن قرطاج فقياديون كثيرون من حزبك (وأنا لست منهم) ورجال ونساء من النخبة ينتظرون أن تستقبلهم وتستمع لأفكارهم وإن لم تكن متناغمة مع اختياراتك... حذار من القطيعة مع الواقع حتى لا تصبح سجين قرطاج.. فتخصيص بعض الوقت سيسمح لك بالإطلاع بصفة مباشرة على أراء مختلفة وقد تكون مخالفة، وشكرا مسبقا.
في البداية لقد شعر ناخبوك وناخباتك بالخيبة عندما تخلى حزب نداء تونس عن رئاسة الحكومة وخاصة عن وزارة الداخلية، علما أنّه ليس بوسع أيّة حكومة أن تنفذ برنامجها إذا لم تنط بعهدتها مسؤوليات الوزارة الأولى والداخلية والدفاع والعدل... لكن للأسف ولأسباب أعرفها جيّدا تخلى حزبكم عن هذه الوزارات رغم أنّه يتوفر على رجالات من الطراز الرفيع..
ثمّ أشركتم النهضة في الحكم وهو ما أثار غضب الآلاف من الذين منحوكم أصواتهم، بل إنّ كثيرين منهم فقدوا ثقتهم بالسياسة والسياسيين، فهم انتخبوكم خوفا من النهضة ولثقتهم في شخصكم، وأكاد أجزم أنّ عددا قليلا منهم صوتوا وقد قرؤوا برنامج حزبكم! والغريب في الأمر أنّه كان من الممكن تعيين شخصيات قوية من حزب نداء تونس على رأس الحكومة والداخلية والدفاع والعدل والخارجية وربّما إشراك حزب النهضة لتأمين الاستقرار بتعيين ثلاثة أو أربعة وزراء نهضويين في الحكومة إذا اقتضى الوضع ذلك..
وأعتقد أنّ هناك أمورا غريبة جدّا وخطيرة فرضت هذه التركيبة الحكومية.. وقبل الخوض في موضوع التركيبة، اسمحوا لي بطرح بعض الأسئلة؟ هل إنّ هذه الحكومة تحب تونس أكثرمن حبّها للحياة ولمصالحها وأكثر من تعلقها بميولاتها؟ هل إنّ هذه الحكومة لها رؤية استشرافية لبناء دولة تكون «سويسرا» الصغرى بعد حوالي عشر سنوات؟ هل إنّ هذه الحكومة تحترم الولايات المقصية وستشرك نخبها في إعداد تصور تنموي شامل دون تدخل كبير من الحكومة المركزية؟ هل إنّ الحكومة عاقدة العزم على تحقيق عدالة جبائية وعدالة اجتماعية ونمو اقتصادي شامل يشعر فيه المستثمرون أيضا بالاطمئنان والشباب بالأمل؟
هل أنّ هذه الحكومة بقيادة الحبيب الصيد قادرة على هزم الإرهاب وداعش والجهاز الأمني مخترق والعزيمة الفولاذية مفقودة؟
ودعني أؤكد لك يا سيادة الرئيس أن عددا من التونسيين ـ وبحكم التحامي بمختلف الطبقات ـ يعتقدون أنّ التركيبة الحكومية الحالية هي أضعف حكومة تونسية عبر التاريخ.. فالسيد الحبيب الصيد رجل ممتاز ولكن حجمه حجم وزارة وأمّا الوزارة الأولى فأكبر منه، فهو يفتقر إلى رؤية مستقبلية وإلى برنامج يجعل من تونس صين إفريقيا، ثمّ إنّ فريقه مؤلف ـ عموما ـ من «سفراء» أحزاب اختارت وزراءها.. وربي يستر»..!
ولقد استبدت بي الحيرة عندما شاهدت رئيس الحكومة يستقبل سفراء غربيين من بينهم سفيرا الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وكأنّ حكومتنا حكومة «لوزوتو» Lesotho (مع احترامي لهذا البلد).. فما هذا؟ هل يمكن لسفرائنا في واشنطن أو برلين أو باريس أن يقابلوا أوباما أو ماركيل أو هولند للتحدث إليهم في شؤون تهم بلدانهم؟ هل هذه هي الدولة التونسية التي نريدها وهل هذه هي هيبة الدولة؟ لقد كان من الممكن استقبال السفراء من قبل وزراء «تقنيين» حتى نتجنب «تشليك» بلادنا ولا نشعر بأنّ سفير الولايات المتحدة أصبح الحاكم بالنيابة في البلاد «Le Proconsul»؟
ثم هل يعقل أن يهرول وزيران الى الجنوب بكل تلك السرعة الفائقة في حين كان من الأفضل استقبال بعض المحتجين بسرعة للإطلاع على مشاغلهم وفي الآن نفسه التأكيد بأنّّ الحكومة لا تقبل الاعتداء على مقرات السيادة والأمن مهما كانت دوافع الغضب؟ وتجدر الإشارة إلى أنّ المتشددين استغلوا هذا الغضب الشرعي لإشعال نيران الفتنة، من ذلك أنّنا استمعنا لعماد الدايمي ـ على سبيل المثال ـ يصرح أنّ نخب الذهيبة تريد «حياد» الحكومة في الصراع الليبي (اي لفائدة فجر ليبيا) حتى تهدأ الأوضاع! ثمّ هل يعقل ان نشاهد وزيري الصحة والداخلية يزوران سائحة إيطالية جرحت في يدها للاطمئنان على صحتها؟ ما هذا؟ ما هذا «التشليك» للحكومة في حين كان بإمكان والي الجهة القيام بذلك؟ هل يفعل ذلك وزيرا الداخلية والصحة الفرنسيان لو اعتدي على سائح تونس في باريس؟
ثمّ يا سيادة رئيس الجمهورية، أيّ سرّ في تعيين وزير الداخلية الذي احترمه كإنسان لكن لا اعتقد أنّه قادر على شنّ حرب على الإرهاب وتطهير وزارة الداخلية من المندسين والخونة! فرغم تقديم القضاة دلائل عديدة على عدم قدرته على تسيير وزارة حساسة كهذه، التزم رئيس الحكومة الصمت ولم يغيره لأسباب لا يعلم أسرارها إلاّ البعض وأنا واحد منهم!
سيدي رئيس الجمهورية، من جهة أخرى برزت مشاكل داخل النداء فطلب من «المعارضين» تقديم اعتذاراتهم... إنّ هذه الممارسات تذكرني بالستالينية أو على أحسن تقدير بتعليمات المرحوم بورقيبة أو بن علي عندما كانا يقصيان من يعارضهما داخل الحزب علما أنّ الاختلاف في النداء هو علامة صحة ومن سمات الأحزاب الناشئة التي لم تستقر أمورها وخاصّة لم يقع انتخاب مسؤوليها على كل المستويات..
في الختام أجدد لكم مشاعر التقدير وأؤكد لكم أنّ عددا هاما من التونسيين فقدوا ثقتهم بالأحزاب وبالوعود السياسية، ولهم مخاوف حول وزارة الداخلية، كما أدعوكم كمواطن غيور على بلاده أن تفتحوا أبواب قصر قرطاج لنخبتنا ومثقفينا، ناهيك أنّ تونس باتت مهدّدة بداعش وبالإرهاب وتسيّرها حكومة ضعيفة والأيّام ستثبت ذلك.
• أرجو من السيدين محسن مرزوق أو رافع بن عاشور تبليغ هذه الرسالة للسيد الباجي قائد السبسي..